الثلاثاء السادس بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل

 

إنجيل اليوم (متّى 13 / 10 ـ 17)

 

 

10 دنا التلاميذ من يسوع فقالوا له: "لماذا تكلّمهم بالأمثال؟"

 

11 فأجاب وقال لهم: "أنتم قد أُعطيَ لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات، أمّا أولئك فلم يُعطَ لهم.

 

12 فمَن له يُعطى ويُزاد. ومن ليس له يؤخذ منه حتّى ما هو له.

 

13 لذلك أكلّمهم بالأمثال، لأنّهم وإن كانوا ناظرين فهم لا ينظرون، وإن كانوا سامعين فهم لا يسمعون ولا يفهمون.

 

14 وفيهم تتمّ نبوءة أشعيا القائل: تسمعون سمعًا ولا تفهمون، وتنظرون نظرًا ولا ترون.

 

15 قد غلظ  قلب هذا الشعب: ثقّلوا آذانهم، وأغمضوا عيونهم، لئلّا يروا بعيونهم، ويسمعوا بآذانهم، ويفهموا بقلوبهم، ويتوبوا فأشفيهم.

 

16 أمّا أنتم فطوبى لعيونكم لأنّها تنظر، ولآذانكم لأنّها تسمع!

 

17 فالحقّ أقول لكم: أنبياء وأبرار كثيرون اشتهوا أن يروا ما تنظرون فلم يروا، وأن يسمعوا ما تسمعون فلم يسمعوا!"

 

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

1 ـ أُعطيً لنصّ إنجيل هذا اليوم، في "الترجمة الليتورجيّة"، العنوان التالي "لماذا الأمثال؟"؛ لهذا النصّ، نصّ موازٍ (في مر 4 / 10 ـ 12)، وآخر في (لو 8 / 9 ـ 10).

 

ينطلق هذا النصّ من سؤال التلاميذ ليسوع:"لماذا تكلّمهم (الجموع) بالأمثال؟؛ وينطلق يسوع، في جوابه عليهم، من اعتباره إيّاهم، متميّزين عن الآخرين (عن الجموع المحتشدة حوله)؛ وتميّزهم هذا قائم على كونهم قد أُعطُوا أن يعرفوا أسرار ملكوت السماوات، بينما الآخرون لم يعطَوا ذلك (11)؛ فاقتضى التكلّم مع "هؤلاء الآخرين" عن تلك الأسرار بالأمثال لتقريبها من فهمهم؛ على أساس هذا التحليل، تتوزّع آيات هذا النصّ إلى آية ـ السؤال (10)، وآيتين مشتركتين (11 ـ 12)  وثلاث آيات خاصّة بفئة "الآخرين" (13 ـ 15)، وآيتين خاصّتين بالتلاميذ (16 ـ 17).

 

 

 

2 ـ يسترعي يسوع، في جوابه على التلاميذ (دعاهم، فسمعوا الدعوة و لبّوها وتبعوه)، أن يعرفوا أسرار ملكوت السماوات؛ لذلك، عيونهم تنعم بالطوبى، لأنّها تنظر إليه بصفته صورة الله، والآتي المنتظر، وإلى أعماله وآياته التي هي من عند الآب؛ وآذانهم تنعم، هي أيضًا، بالطوبى، لأنّها تسمع كلامه وتعاليمه وتفهمها؛ ويعود يسوع ويسترعي انتباه تلاميذه إلى أنّه يقول الحقّ إذا ما قال لهم إنّ ما أُعطوه وما أُعطيَ لعيونهم ولآذانهم، لم يعطَ حتّى لأنبياء وأبرار كثيرين اشتهوا أن يروا ما هم راؤون، وأن يسمعوا ما هم سامعون، ولم يحصلوا على ذلك؛ ويضيف يسوع إلى ذلك قوله لهم إنّ قبولهم لما أُعطَوا، وعيشهم بموجبه، يؤهّلهم إلى أن يُعطَوا ويقبلوا المزيد باطّراد: "فمَن له يُعطى ويُزاد" (12).

 

 

 

3 ـ الآيات (13 ـ 15)

ويُطلع يسوع تلاميذه، في جوابه على سؤالهم، على أنّ الجموع المحتشدة حوله، ومن بينهم الفرّيسيّون، لم يُعطَوا، أي لم يقبلوا، في الواقع، ما أُعطوه، هم، وقبلوه، لذلك، فإنّهم ينظرون ولا يرون، يسمعون ولا يفهمون، فينطبق عليهم قول النبيّ أشعيا (6 / 10 ـ 11): "تسمعون سمعًا ولا تفهمون، وتنظرون نظرًا ولا ترون" (14)؛ ذلك، لأنّهم أثقلوا قلوبهم وعقولهم، ولم يتركوها ترافق عيونهم وآذانهم، لكي يفهموا ما كانوا ينظرون في يسوع، ويسمعون منه، فيتوبوا إلى الله، ويؤمنوا بمن أرسله؛ تلك حالهم، ليس لهم شيء إذًا، يؤخذ منهم حتّى ما هو لهم (12).

 

 

 

ثانيًا  قراءة رعائية

 

1 ـ الآية (11)

 

أُعطيَ التلاميذ وحدهم، الآن، لا في الماضي، أن يفهموا أسرار الملكوت، الذي دشّنه يسوع بشكل خفيّ، وكما تتحدّث عنه الأمثال، وذلك، لأنهم من الداخل، من البيت، لأنهم معه؛ تعني عبارة "أسرار الملكوت"،  في الأدب الجليانيّ، ترتيبات الله الخفيّة في نهاية الأزمنة؛ بدأت هذه النهاية مع يسوع، وتمّ معه ملء الزمن (غل 4 / 4)، ويبقى أن تدخل البشريّة كلّها في هذه النهاية.

 

 

2 ـ الآية (13)

 

يجعل متّى مسؤوليّة العمى على الإنسان، لا على الله؛ ويبدو مرقس قاسيًا في الآية الموازية: "لكي ينظروا نظرًا ولا يروا"؛ أمّا المعنى الأساسي في أشعيا (6 / 9 ـ 10)، فهو الذي نجده لدى مرقس: مَن لم يكتشف سرّ الملكوت في يسوع، زاد عمى على عمى، لأن الدخول إلى الملكوت، أو عدم الدخول إليه، يتقرّران في قلب السامعين: مَن رفض يسوع وتعليمه رفض الدخول في الملكوت، ومَن تقبّل يسوع دخل إلى الملكوت؛ إذن، لا موقف حياديّ بالنسبة إلى يسوع: إمّا نختار الخلاص، وإمّا الهلاك.

 

 

 

3 ـ شرح عبارات وكلمات

 

أـ لماذا تكلّمهم (10)

يعود الضمير إلى الفرّيسيّين الذين لا يستطيعون أن يفهموا أن الفشل جزء من رسالة يسوع، بحيث تتمّ دينونة الله.

 

ب ـ رأى وسمع (16)

يدلّ هذان الفعلان على أكثر من عمل حاسّتين من الحواس الخمس؛ نرى حين نؤمن، ونسمع حين نطيع.

 

ج ـ أنبياء وأبرار (17)

اشتهى أهل العهد القديم أن يعرفوا أسرار الملكوت، أن يروا يسوع وأن يسمعوا كلامه؛ أمّا أبناء العهد الجديد، فنعموا بحضوره فيما بينهم، وبرؤية أعماله وبسماع أقواله.

 

 

 

 

                                                                الأب توما مهنّا